المقدمة: التوحيد يبدأ من حدود البشرية!
تعد عقيدة العصمة من أخطر وأهم نقاط الخلاف بين أهل السنة والجماعة وبين بعض الفرق الإسلامية الأخرى (كالشيعة الإمامية). فبينما يرى أهل السنة أن العصمة هي حفظ إلهي للأنبياء فقط، وتقتصر على التبليغ عن الله والبعد عن الكبائر، يذهب آخرون إلى القول بـ العصمة المطلقة للأئمة الاثني عشر، زاعمين أنهم معصومون من كل خطأ، سهو، أو ذنب صغير وكبير، بل إن عصمتهم تتجاوز في بعض الأحيان عصمة الأنبياء أنفسهم!
هذا المقال يفكك حجة العصمة المطلقة، ويعرضها على ميزان القرآن والسنة، ليثبت أن العصمة المطلقة هي "بيت من زجاج" ينهار أمام أبسط الأدلة الشرعية.
الفصل الأول: تعريف العصمة... لمن تُعطى؟
العصمة في الشرع هي اصطفاء إلهي يضمن أن يكون مصدر التشريع كاملاً وموثوقاً.
1. العصمة في ميزان أهل السنة: (العصمة المحدودة)
يؤمن أهل السنة والجماعة بأن العصمة مقصورة على الأنبياء والمرسلين فقط، وتتركز في النقاط التالية:
العصمة في التبليغ: معصومون من الكذب أو التحريف أو السهو فيما يبلغونه عن الله.
العصمة من الكبائر: معصومون من الوقوع في الذنوب الكبيرة قبل النبوة وبعدها.
تصحيح الصغائر والسهو: قد تقع منهم بعض الصغائر أو مخالفات الأولى (ترك الأفضل) سهواً أو اجتهاداً، لكن الوحي يتدخل فوراً لتصحيح ذلك، فلا يُقِرُّهم الله على الخطأ.
2. العصمة المطلقة: غلو يرفع البشر إلى مقام الألوهية
تقوم عقيدة العصمة المطلقة على أن الإمام لا ينسى، لا يسهو، لا يخطئ في أي حكم، ولديه علم الغيب، مما يجعله نسخة مطابقة لكمال الله المطلق. إن هذه الصفات تخرج الأئمة من دائرة "إنما أنا بشر مثلكم"، وتصطدم مباشرة بنصوص القرآن.
الفصل الثاني: الأنبياء بشر يخطئون.. فلماذا الإصرار على كمال غيرهم؟
إن القرآن الكريم صريح في إثبات بشرية الأنبياء وأنهم يمرون بتجارب الخطأ البشري والاستغفار، وهذا لا يخل بنبوتهم. إن الأنبياء أنفسهم لم يدَّعوا العصمة المطلقة.
1. آدم ومخالفة الأمر الإلهي (الخطأ البشري)
أول الأنبياء اعترف بالذنب:
الدليل: قال تعالى: (وَعَصَىٰ آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَىٰ ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَىٰ) (طه: 121-122).
الحجة: الآية صريحة في عصيان آدم لأمر ربه، رغم أنه تاب واجتباه الله. هذا الخطأ لا يمنع النبوة، فكيف يُعتقد بأن الإمام لا يمكن أن يخطئ إطلاقاً؟
2. موسى عليه السلام وطلب المغفرة
النبي الذي كلم الله، اعترف بالظلم بعد قتله الرجل المصري خطأً:
الدليل: قال تعالى: (قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) (القصص: 16).
الحجة: إذا كان النبي يستغفر لـ "ظلم نفسه"، فهل الإمام أعلى مكانة من النبي موسى حتى لا يحتاج للاستغفار؟
3. النبي محمد صلى الله عليه وسلم والسهو البشري
أكمل البشر لم يُعصم من السهو والنسيان في الأمور الدنيوية والسلوكية، ليعلمنا كيف نتعامل مع الخطأ:
الدليل النبوي: ثبت في حديث ذي اليدين أن النبي صلى الله عليه وسلم سهى في الصلاة وسلّم من ركعتين، ولما نُبّه أتم صلاته وسجد للسهو (متفق عليه).
الحجة: السهو جزء من البشرية، والنبي سجد للسهو لتعليم أمته. فإذا كان أكمل البشر يسجد للسهو، فكيف يُعتقد أن الإمام معصوم من السهو والنسيان؟
الفصل الثالث: أين الدليل على عصمة الأئمة؟ (إسقاط الحجة)
إذا كانت العصمة صفة خاصة بالأنبياء كدليل على نبوتهم، فما هو الدليل القطعي من القرآن والسنة الصحيحة الذي يثبت العصمة المطلقة لأشخاص ليسوا أنبياء؟
1. العصمة محصورة في "الرسالة" لا في "البشر":
العصمة في القرآن ارتبطت بالتبليغ عن الله والرسالة: (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ ۖ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ ۚ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ) (المائدة: 67).
هذه الآية تثبت أن العصمة هي وظيفة رسالية انتهت بوفاة النبي صلى الله عليه وسلم.
2. العصمة المطلقة تخرج الإمام من دائرة البشرية:
إذا كان الإمام معصوماً من أي خطأ أو سهو، فإنه:
لا يحتاج إلى الاستغفار، وهذا يتعارض مع أمر القرآن الكريم لكل المؤمنين بالاستغفار.
لا يمكن أن يكون قدوة كاملة للبشر، لأن البشر معرضون للخطأ والنسيان. فكيف يقتدي البشر بشخص لا يخطئ ولا ينسى؟ هذا يخالف حكمة (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ) (الأحزاب: 21).
الخاتمة: حكمة العصمة وقاعدة الإتباع
إن إثبات العصمة المطلقة للأئمة يؤدي بالضرورة إلى الغلو فيهم ورفعهم إلى مصاف الألوهية، وتضييق واسع على النص الشرعي.
الحقيقة هي أن العصمة الحقيقية هي حفظ الله للوحي والرسالة.
الأنبياء معصومون في نقلهم عن الله، وهم قدوة في التوبة والعودة إلى الله عند وقوع الخطأ البشري.
الخلاصة: لا يوجد دليل قطعي يثبت العصمة المطلقة لأي شخص بعد الأنبياء. إن الإصرار على هذا المفهوم يجعل حجة "المتشيع" أمام دليل القرآن والحديث "بيت من زجاج" ينسفه الدافع بآية واحدة!
.jpg)
تعليقات
إرسال تعليق
الرجاء عدم التعليق بشكل مسئ أو يخرج عن حدود الأدب والأخلاق العامة